المادة    
قال: (وإذا أفرد الإسلام فقد يكون مع الإسلام مؤمناً بلا نزاع، وهذا هو الواجب، وهل يكون مسلماً ولا يقال له: مؤمن؟ وتقدم الكلام فيه) أي: إذا أفرد الإسلام فقد يكون مع الإسلام مؤمناً بلا نزاع، ولكن قد يكون مسلماً وليس مؤمناً.
قال: (وهذا هو الواجب) أي: أنه لا شك في أن الإيمان الواجب أن يكون العبد مع الإسلام أيضاً مؤمناً، وهل يكون مسلماً ولا يقال له مؤمن؟ نعم يكون، كما في آية الحجرات، وكما في حديث سعد الذي ذكرناه، وسوف يذكره الشيخ فيما بعد، والذي قال فيه: ( أو مسلماً )، فالنبي صلى الله عليه وسلم يردد ثلاث مرات على سعد ( أو مسلماً؟ ) عندما يقول: ( إن أراه لمؤمناً ).
قال: (وكذلك هل يستلزم الإسلام الإيمان؟ فيه النزاع المذكور، وإنما وعد الله بالجنة في القرآن، وبالنجاة من النار باسم الإيمان) فلا بد من قدر من الإيمان لكي يكون العبد مسلماً وإلا كان منافقاً، ولو قال أحد كلمة الإسلام، وأظهر شعائره؛ وليس لديه قدر من الإيمان في قلبه فإنه يكون منافقاً.
قال: (وإنما وعد الله بالجنة في القرآن، وبالنجاة من النار باسم الإيمان)، فالوعد للمؤمنين وليس لمجرد المسلمين، والآيات في ذلك كثيرة لا تحصى، وفي هذا دليل على وجوب الإيمان، فالإسلام يمنع صاحبه من الخلود في النار، فمن كانت لديه درجة الإسلام ولم يكن مؤمناً، فارتكب المحرمات، وترك من الواجبات أيضاً ما يعاقب عليه؛ فهذا يكون من أهل الكبائر، ويكون متوعداً على ما ترك من الواجبات، وارتكب من المحرمات بالنار، لكن لو دخلها لا يخلد فيها، فالإسلام ينجيه من الخلود في النار، وأما الإيمان فإن من حققه بأن أتى بالواجبات، وترك المحرمات -أي: اجتنب الكبائر-: (( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ))[النساء:31]، فهذا بإذن الله لا يدخل النار، فالموعود بالجنة هم المؤمنون وليس مجرد المسلمين، كما قال تعالى: (( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ))[يونس:62-64]، فهذه الآن علقت ذلك بالإيمان مع التقوى.
وقال تعالى: (( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ))[الحديد:21] فعلق ذلك على الإيمان، وأيضاً قوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ))[الكهف:107]، وقوله: (( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ))[الفرقان:70]، فلازم ذلك أن يكونوا من أهل الجنة، وقوله: (( إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ ))[الحج:14].
إذاً فآيات الإيمان كثيرة، ومن أهمها ما جاء في أول الأنفال، وفي أول المؤمنون والحجرات، فقد ذكرت أوصاف المؤمنين كما جاء في أول الأنفال: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ))[الأنفال:2-4]، وفي المؤمنون قال بعد أن ذكر أوصافهم: (( أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ))[المؤمنون:10-11].
إذاً فالآيات جميعاً مترابطة، فكلها فإذا تأملتم في كتاب الله تعالى فإنكم تجدون أنها تجعل دخول الجنة مرتباً على الإيمان؛ سواء اقترن به العمل الصالح أو أفرد؛ لأن المراد واضح كما قد بينا العلاقة بين الإيمان والعمل إذا اقترنا.
قال: (وأما اسم الإسلام مجرداً فما علق به في القرآن دخول الجنة، لكنه فرضه، وأخبر أنه دينه الذي لا يقبل من أحد سواه) والذي علق على الإسلام في الآخرة هو: النجاة من الخلود في النار، وأما في الدنيا: فعصمة الدم والمال، وهذا قد تقدم عندما شرحنا قوله: ونسمي أهل القبلة مسلمين مؤمنين كما في حديث أنس رضي الله عنه: ( من استقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، وصلَى صلاتنا، فهو المسلم ).
فمن أقر بشعائر الإسلام الظاهرة فإنه يثبت له في الدنيا عصمة الدم والمال، كما في الحديث: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ).
فهذا هو الذي علق على الإسلام، وأما دخول الجنة فهو معلق بالإيمان، لكن الله تعالى وصف من أتى بشعائر الإسلام بأنه قد أفلح، فهل (أفلح) تقتضي دخول الجنة؟ لا، لأن (أفلح) قد يفهم منها الفلاح في الدنيا الذي ناله بالتمسك بهذه الأمور، وأنه سيؤدي به إلى الإيمان، كما وعد الأعراب في قوله تعالى: (( وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ))[الحجرات:14]، فهذا الرجل سوف يدخل الإيمان في قلبه إن صدق، فالذي رتب هو الفلاح، ولم يرتب عليه دخول الجنة، والكلام هنا في دخول الجنة.
قال الشارح رحمه الله: (لكنه فرضه وأخبر أنه دينه).
يعني: أخبر الله أن الإسلام هو دينه، فلم يعد الكلام عن الإسلام بمعنى المرتبة، وإنما أصبح الكلام عن الإسلام بمعنى اسم الدين العام، فالإسلام هو دين الله تبارك وتعالى الذي لا يقبل من أحد أن يدين بغيره، وهو دين جميع النبيين، كما قال تعالى: (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ))[آل عمران:85]، وهو دين الله الذي بعث به عباده المرسلين من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلا يقبل الله تبارك وتعالى ديناً غيره في أي عصر، وعلى لسان أي نبي، فهذا قدر.
والقدر الآخر: أن يكون مدعي ذلك أو قائله موعوداً بالجنة، خالداً فيها، وهذا لا بد من أن ينضم إليه أمر آخر وهو مرتبة الإيمان.